الحرب والسلام- جدلية الصراع، غواية الحرب ووهم السلام
المؤلف: طلال صالح بنان09.03.2025

إنَّ الحربَ ليستْ هدفًا بذاته، بل هي قد تنبعُ من أعماقِ الطبيعةِ الإنسانيةِ، من ذلك الجانبِ المظلمِ الذي يميلُ للعنفِ والصراعِ، كما يرى المتشائمون. الحربُ، في نهايةِ المطاف، هي إحدى العلاماتِ البارزةِ على سطحِ هذا الكوكبِ، حيثُ يسودُ التنافسُ الشديدُ بينَ الكائناتِ الحيةِ، تمامًا كالزلازلِ والأعاصيرِ والبراكينِ والفيضاناتِ والأوبئةِ. فلولا هذا الصراعُ المحتدمُ بينَ مختلفِ الكائناتِ، لما ازدهرَ الكونُ، ولما تنوعتْ أشكالُ الحياةِ وتطورتْ.
وإذا ما أقررنا بضرورةِ هذا الصراعِ العنيفِ لاستمرارِ الحياةِ وتطورها وازدهارها، فإنَّ الحربَ تصبحُ ضرورةً أيضًا لتحقيقِ السلامِ المنشودِ على الأرضِ، كهدفٍ سامٍ لخلقِ التوازنِ الكونيِّ. فحتى في عالمِ الحيوانِ، نرى أنَّ الصراعَ العنيفَ بينَ الأنواعِ المختلفةِ أو حتى داخلَ النوعِ الواحدِ، غالبًا ما يكونُ قصيرَ الأمدِ، ويقتصرُ على مواسمَ معينةٍ، مثل موسمِ التزاوجِ. وسرعانَ ما تلوحُ بشائرُ الهدوءِ والسلامِ مع ولادةِ أجيالٍ جديدةٍ، حيثُ تتغلبُ نقاوةُ الجنسِ وتتطورُ غريزةُ البقاءِ عبرَ تحولاتٍ جينيةٍ متتاليةٍ، مما يؤدي إلى نشوءِ حياةٍ متجددةٍ في بيئةٍ أكثرَ استقرارًا وهدوءًا.
إنَّ الأصلَ في الحياةِ على الأرضِ هو سيادةُ السلامِ، وليسَ استمرارُ الصراعِ والعنفِ. لذلك، فإنَّ الهدفَ من الصراعِ، على الرغمِ من قسوتهِ وتطرفهِ الذي يتجسدُ في الحروبِ، هو تحقيقُ السلامِ. وهذا ما يفسرُ لنا أنَّ فتراتِ الحروبِ غالبًا ما تكونُ قصيرةً، بينما تدومُ فتراتُ السلامِ لفترةٍ أطولَ، مما يساهمُ في ترسيخِ السلامِ عبرَ العصورِ المتعاقبةِ.
لكن الحروب، من أهم سماتها الملازمة لها، أنها مع مرور الزمن، تُضعفُ الرغبةَ في التمتعِ بالسلامِ، وتزيدُ من الإغراءِ بالعودةِ إلى الصراعِ، طمعًا في تحقيقِ حقبةٍ جديدةٍ من السلامِ الأكثرِ استقرارًا وديمومةً وهدوءًا.
في كثيرٍ من الأحيانِ، تخفي دعواتُ الحربِ في ضمائرِ أولئكَ الذينَ يرون فرصةً لتحقيقِ مكاسبَ شخصيةٍ، وذلكَ من خلالِ تغييرِ الوضعِ الراهنِ إلى وضعٍ أكثرَ ملاءمةً لمصالحهم، بأقلِ تكلفةٍ ممكنةٍ وأكبرِ عائدٍ متوقعٍ. هنا يبرزُ أحدُ أخطرِ أسبابِ اندلاعِ الحروبِ، وهو تفشي حالةِ "الطمعِ والأنانيةِ" في عالمٍ يسودهِ الاستقرارُ. في هذهِ الحالةِ، يرى الطرفُ الطامعُ أنَّ الحربَ ستنقلهُ إلى حقبةٍ تاريخيةٍ أفضلَ وأكثرَ سلامًا، فيقدمُ على الإخلالِ بتوازنِ القوى السائدِ، ويخوضُ مغامرةً جديدةً بشنِّ حربٍ جديدةٍ.
وهنا نصلُ إلى مرحلةِ السلامِ الزائفِ، الذي يصلُ إلى حدِّ الخداعِ. فالحربُ هي مرحلةٌ متقدمةٌ من مراحلِ الصراعِ، يتخللها "نشوةٌ" زائفةٌ بالنصرِ، دونَ الالتفاتِ إلى التكاليفِ الباهظةِ. ومهما بلغتْ ثقةُ الطرفِ الذي يرى في نفسهِ القدرةَ على شنِّ الحربِ عن بُعدٍ، فإنهُ غالبًا ما يهملُ التكاليفَ الباهظةَ التي ستترتبُ عليها، مقارنةً بالمكاسبِ الغامضةِ التي قد يجنيها.
إضافةً إلى ذلك، فإنَّ للحربِ منطقًا خاصًا بها، غالبًا ما يغيبُ عن حساباتِ الأطرافِ المتنازعةِ، وخاصةً الطرفَ الذي يبدأُ الحربَ. فمن السهلِ إشعالُ فتيلِ الحربِ، ولكن من الصعبِ إخمادُ نارها بعدَ اندلاعها. فبمجردِ أنْ تبدأَ الحربُ في الانتشارِ والتوسعِ، يصبحُ من الصعبِ، إنْ لم يكنْ مستحيلاً، السيطرةُ عليها. وعندها، تفقدُ الأطرافُ السيطرةَ على الحربِ، وتصبحُ الحربُ نفسها هيَ التي تديرُ الأمورَ. وفي كثيرٍ من الأحيانِ، يستمرُ جحيمُ الحربِ في الاشتعالِ حتى يستهلكَ وقودهُ الذاتي، ويحولَ ساحةَ المعركةِ إلى دمارٍ شاملٍ، يخلفُ وراءهُ بيئةً اجتماعيةً وسياسيةً واقتصاديةً تحتاجُ إلى تكاليفَ باهظةٍ لإعادةِ تأهيلها، واستعادةِ حالةِ السلامِ الصعبةِ والمكلفةِ، والتي غالبًا ما تكونُ مجردَ إحياءٍ لحالةِ صراعٍ متجددةٍ، تلدُ فيها الحربُ حربًا جديدةً.
إنَّ إغراءَ الانجرارِ إلى الحربِ هو أخطرُ ما يواجهُ المرءَ عندَ التفكيرِ في قرارِ شنِّها. فنادرًا ما تكونُ الحروبُ حاسمةً، وتؤدي إلى نصرٍ ساحقٍ مقابلَ هزيمةٍ مدويةٍ، وتبشرُ بحقبةِ سلامٍ مقبلةٍ. أما الحروبُ التي تعكسُ أخطاءً جسيمةً في حساباتِ التكلفةِ والعائدِ من قبلِ أطرافها، فغالبًا ما تؤدي إلى وضعٍ غيرِ مستقرٍ، يسودُ فيهِ وهمُ السلامِ الزائفِ، الذي سرعانَ ما يعقبُهُ التحضيرُ لحربٍ جديدةٍ، أشدَّ عنفًا ودمارًا وتكلفةً.
ليست كلُّ حربٍ تخدمُ الهدفَ النبيلَ الذي شُنَّتْ من أجلهِ. فالسلامُ، كغايةٍ للحربِ، من الصعبِ تحقيقُهُ في ظلِّ سيطرةِ الأهواءِ الشخصيةِ للأطرافِ المتنازعةِ، الذينَ استسلموا لإغراءاتِ الحربِ.
وإذا ما أقررنا بضرورةِ هذا الصراعِ العنيفِ لاستمرارِ الحياةِ وتطورها وازدهارها، فإنَّ الحربَ تصبحُ ضرورةً أيضًا لتحقيقِ السلامِ المنشودِ على الأرضِ، كهدفٍ سامٍ لخلقِ التوازنِ الكونيِّ. فحتى في عالمِ الحيوانِ، نرى أنَّ الصراعَ العنيفَ بينَ الأنواعِ المختلفةِ أو حتى داخلَ النوعِ الواحدِ، غالبًا ما يكونُ قصيرَ الأمدِ، ويقتصرُ على مواسمَ معينةٍ، مثل موسمِ التزاوجِ. وسرعانَ ما تلوحُ بشائرُ الهدوءِ والسلامِ مع ولادةِ أجيالٍ جديدةٍ، حيثُ تتغلبُ نقاوةُ الجنسِ وتتطورُ غريزةُ البقاءِ عبرَ تحولاتٍ جينيةٍ متتاليةٍ، مما يؤدي إلى نشوءِ حياةٍ متجددةٍ في بيئةٍ أكثرَ استقرارًا وهدوءًا.
إنَّ الأصلَ في الحياةِ على الأرضِ هو سيادةُ السلامِ، وليسَ استمرارُ الصراعِ والعنفِ. لذلك، فإنَّ الهدفَ من الصراعِ، على الرغمِ من قسوتهِ وتطرفهِ الذي يتجسدُ في الحروبِ، هو تحقيقُ السلامِ. وهذا ما يفسرُ لنا أنَّ فتراتِ الحروبِ غالبًا ما تكونُ قصيرةً، بينما تدومُ فتراتُ السلامِ لفترةٍ أطولَ، مما يساهمُ في ترسيخِ السلامِ عبرَ العصورِ المتعاقبةِ.
لكن الحروب، من أهم سماتها الملازمة لها، أنها مع مرور الزمن، تُضعفُ الرغبةَ في التمتعِ بالسلامِ، وتزيدُ من الإغراءِ بالعودةِ إلى الصراعِ، طمعًا في تحقيقِ حقبةٍ جديدةٍ من السلامِ الأكثرِ استقرارًا وديمومةً وهدوءًا.
في كثيرٍ من الأحيانِ، تخفي دعواتُ الحربِ في ضمائرِ أولئكَ الذينَ يرون فرصةً لتحقيقِ مكاسبَ شخصيةٍ، وذلكَ من خلالِ تغييرِ الوضعِ الراهنِ إلى وضعٍ أكثرَ ملاءمةً لمصالحهم، بأقلِ تكلفةٍ ممكنةٍ وأكبرِ عائدٍ متوقعٍ. هنا يبرزُ أحدُ أخطرِ أسبابِ اندلاعِ الحروبِ، وهو تفشي حالةِ "الطمعِ والأنانيةِ" في عالمٍ يسودهِ الاستقرارُ. في هذهِ الحالةِ، يرى الطرفُ الطامعُ أنَّ الحربَ ستنقلهُ إلى حقبةٍ تاريخيةٍ أفضلَ وأكثرَ سلامًا، فيقدمُ على الإخلالِ بتوازنِ القوى السائدِ، ويخوضُ مغامرةً جديدةً بشنِّ حربٍ جديدةٍ.
وهنا نصلُ إلى مرحلةِ السلامِ الزائفِ، الذي يصلُ إلى حدِّ الخداعِ. فالحربُ هي مرحلةٌ متقدمةٌ من مراحلِ الصراعِ، يتخللها "نشوةٌ" زائفةٌ بالنصرِ، دونَ الالتفاتِ إلى التكاليفِ الباهظةِ. ومهما بلغتْ ثقةُ الطرفِ الذي يرى في نفسهِ القدرةَ على شنِّ الحربِ عن بُعدٍ، فإنهُ غالبًا ما يهملُ التكاليفَ الباهظةَ التي ستترتبُ عليها، مقارنةً بالمكاسبِ الغامضةِ التي قد يجنيها.
إضافةً إلى ذلك، فإنَّ للحربِ منطقًا خاصًا بها، غالبًا ما يغيبُ عن حساباتِ الأطرافِ المتنازعةِ، وخاصةً الطرفَ الذي يبدأُ الحربَ. فمن السهلِ إشعالُ فتيلِ الحربِ، ولكن من الصعبِ إخمادُ نارها بعدَ اندلاعها. فبمجردِ أنْ تبدأَ الحربُ في الانتشارِ والتوسعِ، يصبحُ من الصعبِ، إنْ لم يكنْ مستحيلاً، السيطرةُ عليها. وعندها، تفقدُ الأطرافُ السيطرةَ على الحربِ، وتصبحُ الحربُ نفسها هيَ التي تديرُ الأمورَ. وفي كثيرٍ من الأحيانِ، يستمرُ جحيمُ الحربِ في الاشتعالِ حتى يستهلكَ وقودهُ الذاتي، ويحولَ ساحةَ المعركةِ إلى دمارٍ شاملٍ، يخلفُ وراءهُ بيئةً اجتماعيةً وسياسيةً واقتصاديةً تحتاجُ إلى تكاليفَ باهظةٍ لإعادةِ تأهيلها، واستعادةِ حالةِ السلامِ الصعبةِ والمكلفةِ، والتي غالبًا ما تكونُ مجردَ إحياءٍ لحالةِ صراعٍ متجددةٍ، تلدُ فيها الحربُ حربًا جديدةً.
إنَّ إغراءَ الانجرارِ إلى الحربِ هو أخطرُ ما يواجهُ المرءَ عندَ التفكيرِ في قرارِ شنِّها. فنادرًا ما تكونُ الحروبُ حاسمةً، وتؤدي إلى نصرٍ ساحقٍ مقابلَ هزيمةٍ مدويةٍ، وتبشرُ بحقبةِ سلامٍ مقبلةٍ. أما الحروبُ التي تعكسُ أخطاءً جسيمةً في حساباتِ التكلفةِ والعائدِ من قبلِ أطرافها، فغالبًا ما تؤدي إلى وضعٍ غيرِ مستقرٍ، يسودُ فيهِ وهمُ السلامِ الزائفِ، الذي سرعانَ ما يعقبُهُ التحضيرُ لحربٍ جديدةٍ، أشدَّ عنفًا ودمارًا وتكلفةً.
ليست كلُّ حربٍ تخدمُ الهدفَ النبيلَ الذي شُنَّتْ من أجلهِ. فالسلامُ، كغايةٍ للحربِ، من الصعبِ تحقيقُهُ في ظلِّ سيطرةِ الأهواءِ الشخصيةِ للأطرافِ المتنازعةِ، الذينَ استسلموا لإغراءاتِ الحربِ.